نتحدث في هاذا المقال عن حالة رجل يبلغ من العمر 70 سنة أو اكثر بقليل، يعيش حياة رياضية ولا يعاني من أي امراض او عوامل خطورة وليس لديه أي تاريخ مرضي ولم يسبق له الخضوع لأي اجراء طبي او جراحة، حياته الرياضية تتمثل بممارسة رياضات متوسطة الى عالية الشدة، وقوام ونمط مشي رياضي انيق بعضلات مشدودة ومتشكلة، ولياقة بدنية من النهوض والجري، إلا ان هذا كله لم يقيه من التعرض الى حادث توقف القلب المفاجئ اثناء الأداء الرياضي!!!!
استدعى توقف القلب المفاجئ الى قيام زملائه بالبدء وبشكل عاجل بعملية الإنعاش القلبي الرئوي ونقله مباشرة الى اقرب قسم طوارئ خلال 5 دقائق فقط، مما ساهم في انقاذ حياته بشكل عاجل وعودة القلب الى العمل بشكل طبيعي، وتقرر بعدها اجراء عملية قسطرة تشخيصية لمعرفة دوافع ومسببات هذا الحادث، واستدعى ذلك رقوده في عناية القلب لمدة أسبوع للإطمئنان على صحة قلبه، لكن من أين بدأت القصة؟؟؟
كيف توقف القلب وعاد للحياة؟
بدأت اثناء ممارسته الرياضة الهوائية عالية الشدة في نهار شهر رمضان اثناء الصيام، وقبيل وقت الإفطار بساعتين فقط، ومع مجموعة من الرياضيين يكبرهم سنناً ولكنه يتساوى معهم في مستوى اللياقة البدنية، يذكر الرجل بأنه كان يشعر بالعطش الشديد ولكنه متعود على هذا النمط حيث انه كان يمارس رياضته المعتادة كل يوم دون راحة، سواء في شهر رمضان واثناء الصيام او في غيره من الشهور، ولكنه لم يتذكر من الحادث سوى انه توقف عن أداء التمرين فجأة وغاب عن الوعي ولا يتذكر أي شيء من الاحداث التي جرت بعد ذلك.
أسباب الحادث
توقف القلب بشكل مفاجئ هو ليس بالأمر الهين، وقد تسبب ذلك في رحيل العديد من الرياضيين في الميادين الرياضية وليست هناك أسباب واضحة لذلك، الا ان الأبحاث والعلماء يوعزون هذه الحوادث إلى سلوك الرياضي و الوعي الكامل حول ضرورة الاعداد البدني والصحي تبعاً لنمط الرياضة التي يريد ان يقوم بها الفرد، ك أن يحافظ على النوم الكافي والتغذية السليمة وعدم الحرمان والامتناع عن التدخين والسلوكيات التي لا تتناسب مع أداء الرياضات، ،الحضور الذهني و الكشف عن أي عوامل خطورة خفية ك ارتفاع ضغط الدم و نسبة الكولسترول والسكر في الدم، وايضاً مراعاة السن والبنية البدنية، حيث انه من الضروري استشارة المختصين في ماهية الرياضة المناسبة تبعاً للسن والبنية البدنية مع الاخذ بالاعتبار طبيعة النشاط البدني الذي يقوم به الفرد، ومن المهم ايضاً الاخذ بالاعتبار وقت الراحة اليومية والاسبوعية، حيث انه من غير الجيد القيام بإجهاد القلب والعضلات بشكل مستمر لساعات يومياً وطوال أيام الأسبوع دون راحة ،وايضاً مراعاة عنصر مهم وهو تروية الجسم بالماء قبل وبعد الرياضة ،وهذا العنصر هو الذي يتقاسم بطولة القصة التي ترد عليك عزيزي القارئ في هذا المقال مع مريضنا الذي استعاد حياته وصحته وصحة قلبه بعد ذلك وتعرف على النمط الرياضي المناسب له تناسباً مع العمر والحالة الصحية.
الحصول على وقت راحة كافٍ او أيام راحة أسبوعية بين حصص الرياضة مهم جداً في حصول البناء النسيجي للعضلات و لاستعادة صحة القلب، وايضاً ينعكس ايجاباً على الصحة النفسية وصحة الجهاز العصبي، ومن الضروري جداً عدم التوتر واشغال الذهن اذا لم يتمكن الفرد من أداء حصته الرياضية لإنشغاله بأمر ما في حياته، ولا بأس بالعودة في اليوم التالي للحصة الرياضية دون قلق، والسؤال الذي يطرح دائماً : ماهو الوقت المناسب للرياضة؟ وهنا نقول ببساطة هو الوقت الذي يكون الجسم حاضراً مادياً وذهنياً للرياضة، ومنتظم في الوجبات الغذائية الصحية على ان تكون الوجبة قبل أداء الحصة الرياضية بساعة او ساعتين عالاقل، كما انه من الضروري تروية الجسم بشكل مستمر دون افراط، ،والنوم الجيد بمتوسط 6-7 ساعات يومياً وتجنب أداء الرياضة قبل النوم على الأقل ب4-5 ساعات، وذلك للحصول على حصة نوم عميقة، نعود لصحة بطل القصة ...
هل يحتاج الرياضي إلى عيادة تأهيل القلب؟
خرج من عناية القلب بعد أن استكمل جميع الفحوصات اللازمة واجراء القسطرة التشخيصية، ولأن كان لديه ارتفاع طفيف في نسبة الكوليسترول الضار قرر الطبيب اعطاءه مخفض ومنظم كإجراء احترازي، وايضاً منظم دوائي لضربات القلب (حاصرات مستقبلات البيتا)، و تحويله الى عيادة التأهيل القلبي الرئوي لعمل اللازم ، هل يحتاج انسان رياضي الى عيادة تأهيل القلب؟!
الإجابة نعم، والتفسير متشعب جداً الا اننا سنركز في حالة بطل القصة التي نتحدث عنها، حيث ان من الأرجح كان سبب الصابة هو السلوك الخاطئ في وصفة التمرين المناسبة و مراعاة العوامل الفسيولوجية وهذا ما أقر به بطل القصة كلما تقدم في مراحل التأهيل، تم شرح الحالة بالكامل والعوامل الفسيولوجية بهدف رفع مستوى الوعي، مما جعله يضع يده تماماً على ما كان يعتقد بأنه المشكلة، اولاً كان الاختيار الصحيح للتمارين التي تتناسب مع تقدم العمر إلى السبعين، يعني بعبارة أوضح انه من غير المنطقي ان يقوم رجل تجاوز السبعين بتمارين عالية الشدة كما الشاب الذي يتراوح عمره بين 30-40 سنة! واذا أراد ان يحافظ على لياقته و صحة قلبه عليه ان يختار التمارين منخفضة الى متوسطة الشدة ولكن يمد في الوقت قليلً بحيث تتراوح الحصة التدريبية من30 – 45 دقيقة لخمس أيام بالاسبوع، والامر الثاني كان بشأن السلوك الغذائي ووقت الحصة الرياضية، وقرر الامتناع عن التمرين اثناء الصيام وهذا ما يحرص عليه دائماً المختصين وخاصة مع كبار السن ومن يعاني من عوامل خطورة، وان يجعل الحصة الرياضية بعد الوجبة المشبعة المغذية بساعتين على الأقل. ،الامر الثالث كان بشأن الفحص المستمر ومراجعة طبيب الاسرة كل 6 شهور وخاصة في هذا العمر المتقدم للكشف عن عوامل الخطورة او الامراض التي قد تظهر في هذه الفترة العمرية و كيفية الوقاية منها وان لا يعتمد على النصوص المنتشرة على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي ، انما يجعلها مصدر ثقافي توعوي فقط واذا توفر فيها عنصر المصدر الموثوق.
أدى بطل القصة 36 جلسة في المرحلة الثانية من تأهيل القلب تحت اشراف المختصين و بربط مباشر بأجهزة مراقبة العلامات الحيوية و نشاط القلب، وتخللها وصفة التمرين بشكل دقيق بناءاً على العمر والكتلة والتاريخ المرضي والنشاط والرياضة، وبقناعة تامة ومعنويات عالية منه، وتضمن البرنامج التمارين على أجهزة اللياقة والجري والتمارين الهوائية واللا هوائية، وفي ختام ال36 جلسة قرر البطل في المرحلة الثالثة ان يلتزم في صالة رياضية متخصصة لاستكمال برنامجه الرياضي كنمط حياة والالتزام بحضور الموعد الشهري في عيادة تأهيل القلب بغرض إعادة التقييم و ضمان ثبات المستوى في منطقة صحة القلب السليمة.
والجدير بالذكر ايضاً كقيمة مضافة، ان الفحص المبكر مع طبيب الأسرة والمتابعة المستمرة جعلته يكتشف مبكراً بعض علامات وبوادر مشاكل المثانة والبروستاتا المتزامنة مع بلوغ السبعين سنة، وقد تم السيطرة عليها مبكراً.
الخلاصة
نلخص النقاط المستفادة من القصة كالتالي:
1- لكل فئة عمرية التمارين التي تضمن المحافظة على مستوى لياقة عالية وصحة سليمة ووقائية.
2- الرياضة وقت الصيام غير محببة وربما مضرة وخاصة لكبار السن وممن يعانون من امراض القلب وعوامل الخطورة.
3- ضرورة تروية الجسم قبل وخلال وبعد أداء الحصة الرياضية.
4- اتبع نصائح الفحص المبكر وكن منصتاً لطبيب الأسرة و للمؤسسات الصحية ونشراتها التوعوية.
5- تأهيل القلب ضروري لكل الفئات العمرية ولكل المستويات الرياضية، ووصفة التمارين المناسبة اهم عنصر فيها.
6- الوقاية خير من العلاج، والسيطرة على عوامل الخطورة يبدأ من عندك اولاً وبمساعدة المختصين.
7 -برنامج تأهيل القلب المكثف يحميك مستقبلاً من تكرار المشكلة بإذن الله، او حتى مراجعاتك المتكررة للعيادات الاستشارية و الطوارئ
دمتم سالمين.
محمد المعلم
أخصائي أول في التأهيل القلبي الرئوي